يبدو أن تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية وشمولها أماكن جديدة في العالم لم تبلغها سابقاً، بدأ يفرض إطاراً إلزاميا للتعاون الدولي في القضاء على هذه الظاهرة التي بدأت تضرب عصب الأقطاب الدولية المتصارعة. ويخرج هذا السلاح ذو الحدّين من ساحة الصراع الدولي كأحد الأسلحة المحرّمة دولياً.
قبل الدخول في أي تصور للحل والإتفاق على خارطة طريق للقضاء على الإرهاب، لا بد من تحديد تعريف واضح له، بعد أن استحوذت عليه المصالح السياسية، وضمته الى ترسانة أسلحتها.
وإن كان التعريف الدولي الغربي والشرقي يلتقي عند مشترك أساسي وهو "استعمال العنف المفرط تجاه المدنيين لتحقيق اهداف سياسية أو دينية"، فإنّ حكومات العالم العربي طوعت هذا المفهوم لتضرب به كل من يعترض سياسات الأنظمة فتساوي بين المُفَجِّر الإرهابي وبين من يتظاهر احتجاجاً، أو مطلق إضرار بالممتلكات العامة. وهذا ما ظهر واضحاً في جمع النظام السعودي بين إرهابيي داعش والقاعدة الذين ارتكبوا عمليات تفجير وقتل وبين الشيخ النمر الذي كل تهمته التحريض على النظام، في حفلة إعدام واحدة تحت راية محاربة الإرهاب.
ولعلّ أكثر من طالب بتعريف الإرهاب منذ بداية التسعينات كان ما سمي بمحور الممانعة، حيث رفع الرئيس الراحل حافظ الاسد هذا الطلب في وجه مطالب الأميركيين بطرد قادة حماس من سوريا. كذلك كان تعريف الإرهاب مطلباً حيويا لحزب الله والمنظمات الفلسطينية في وجه محاولات اسرائيل لتوصيف عمليات المقاومة تحت بند الإرهاب. وقد نجح حزب الله في فرض الإعتراف الدولي به كمقاومة من خلال اتفاق وقف النار في نهاية عدوان نيسان 1996، حين نص الإتفاق على تحييد المدنيين من الطرفين عن العمليات العسكرية التي استمرت دون توقف حتى عام 2000 موعد التحرير. وفي هذا تعزيزٌ لما ذكرناه في البداية عن تبلور مفهوم للإرهاب يتمحور حول الإضرار بالمدنيين أو عدمه.
حتى أن الأوروبيين رفضوا لفترة طويلة مجاراة الأميركيين في توصيف حزب الله كمنظمة ارهابية، وعندما حظروا الجناح العسكري للحزب كان بذريعة الإضرار بالمدنيين عمداً.
الصدمة الروسية
ولعل الصدمة الكبرى لهذا المحور جاءت من الراعي الدولي الرسمي له، أي روسيا على لسان رئيسها فلاديمير بوتين حين اعلن خلال لقاء مع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو اوائل الشهر الفائت انه يعتزم تعزيز التعاون مع اسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب، مضيفاً أن اسرائيل تعرف هذه الظاهرة جيداً وهي تحارب الإرهاب. مصادر عدة في محور الممانعة استنكرت كلام بوتين ورأت فيه تراجعاً عن المبادئ، وانغماساً في لعبة المصالح.
لكن ما الذي قصده بوتين من تصريحه؟ وهل فيه تناقض مع استمرار دعمه لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة؟ الواضح أنه يشير الى العمليات التي استهدفت اهدافاً مدنية في اسرائيل خلال السنوات الماضية، وخاصة تفجير الحافلات والأماكن العامة، فلا يمكن لموسكو التي عانت من تفجيرات ايضاً في المطار وأماكن عامة أخرى، الا ان تعيد رسم الخطوط الحمراء المتفق عليها في الصراعات وأعراف الحروب.
إن موقف القطب العالمي الثاني يقفل الدائرة على تعريف الإرهاب الذي طالما نادت اطراف محور الممانعة بإقراره. ولن يكون سهلاً بعد اليوم التهليل لعمليات تستهدف المدنيين حتى لو في اسرائيل، ووصف منفّذيها بالأبطال، كما أن عمليات مثل قتل الطفلة الإسرائيلية ذات 13 عاما بالسكين منذ يومين لن يكون سهلا ابداً تبريرها، أو تبرير دعمها. كذلك عملية اطلاق النار على روّاد مقهى في تل ابيب لن يرى فيها العالم الا حلقة من مسلسل عمليات داعش المتنقلة من باريس الى بلجيكا واورلاندو وصولا الى بنغلادش.
لحظة الحقيقة تقترب من فرض حدود دوليّة جديدة للتعامل مع الإرهاب، حيث لا يتوقع أن يؤخذ بعين الإعتبار مفهوم الممانعة للمقاومة.